تاريخ افتتاح مدينة بورفؤاد و دعوة لجعل يوم 21 ديسمبر عيدا قومياً للمدينة
تاريخ افتتاح مدينة بورفؤاد و دعوة لجعل يوم 21 ديسمبر عيدا قومياً للمدينة
نشرت الصحف وصفا بديعا للاحتفال يوم الأربعاء 22 ديسمبر عام 1926 و كان جلالة الملك بطله و هو الاحتفال الذي احتلت المدينة الجديدة أغلب صفحاته حتى أنه يمكن تسميته بيوم بورفؤاد .
قبل الافتتاح بيوم تنقّل مراسلو الجرائد بين بورفؤاد و بورسعيد لمتابعة استعدادات الاحتفال و سجلوا عدد من الملاحظات .. منها أن الشركة قد أنفقت مبالغ ضخمة مما (( كان متجليا في كل مكان من الأماكن التي مررنا بها . . و هي لم تأل جهدا في جعل احتفالها بحيث يبهر المدعوين و يكون فريدا في بابه ، فلم نشهد في هذا العهد مثالا للأبهة و البذخ اللذين شاهدناهنا في هذا الاحتفال ))
و منها أنها خصصت قطارين لنقل المدعوين إلى بورسعيد ، و وصل أولهما الساعة التاسعة صباحا ، ' و إن كان قد أخذ على المنظمين أنهم لم يوفروا المقاعد الكافية للمدعوين مما سبب بعض الفوضى نتيجة للتدافع و التسابق على المقاعد
في بورسعيد نصب الأهالي الثريات الكهربائية على واجهات منازلهم و محال تجارتهم و كذلك المساجد و الكنائس و المدارس و المصالح الأميرية و المحافظة و الأقسام و البنوك و الشركات و غيرها ، حتى أصبحت المدينة لابسة حلة قشيبة من جلال الزينة . . فالكل مبتهج برؤية طلعة مليكه المفدى و هو ما لم يتأخر كثيرا .
ففي الساعة الثالثة مساء وصل يخت محروسة و هو نفس اليخت الذي كان يستقله والده إسماعيل عند افتتاح القناة قبل سبع و خمسين عاما عام 1869 تحيط به بوارج خفر السواحل، عبد المنعم و فاروق ، و رسا أمام سراي شركة القنال و قد نزلت موسيقات بورسعيد تتقدمها الموسيقى الوطنية و الكشافات إلى عرض البحر أمام اليخت و صدحت بألحانها الشعبية و المدينة تموج بالآلاف المؤلفة من المتفرجين الذين توافدوا عليها من كل الجهات
و تقول الصحف إن عددا كبيرا من المدعوين و أبناء بورسعيد قضوا شطرا كبيرا من الليل يرقصون في الكازينو و تجمعوا في الصباح على فوجين لتقلهم سفن بخارية صغيرة إلى بورفؤاد .
و قد أعجب المدعوون من أنهم انتقلوا في دقائق معدودة من أفريقيا القارة المظلمة كما يسمونها إلى القارة التي أخرجت فلسفات و عقائد و ديانات حيث رست السفينة على مرسى صغير عند الشاطئ الآسيوي الرملي الصحراوي
و كان هناك بعض مندوبي شركة قناة السويس لاستقبال القادمين و ساروا في مقدمتهم على الأقدام إلى مكان الاحتفال بين الزينات المختلفة يدخلون إليه من قوس نصر بديع يعلوه الشعار المصري .
و روت الصحف واقعة طريفة في هذه المناسبة فقد حدث أن وصل المندوب السامي البريطاني إلى بورسعيد في مظاهرة بحرية إذ كان يستقل إحدى قطع الأسطول البريطاني في البحر المتوسط الطرادة كونجورد التي رست إلى جوار محروسة فتصور قائد الفرقة الموسيقية انه الملك فأعطي الإشارة بعزف النشيد الملكي فاضطر جميع الموجودين إلى الوقوف و لما رأوا أن القادم هو اللورد لويد لا الملك بدت منهم حركات الاستغراب
تحول مندوبو الصحف بعد ذلك لوصف موقع الاحتفال فذكروا انه قد أقيم في المكان الذي تقرر أن يكون محلا لبناء مجلس بلدي بورفؤاد و قد رأي في صدر السرادق الكبير عرشا مرتفعا مخصصا لجلوس الملك و مقعدا مذهبا بالقطيفة الحمراء يحوطه ستار مثله يعلوه التاج الملكي و إلى يمين العرش ثلاثة مقاعد مرتفعة أيضا لمن دعي من الأمراء و لم ينس في هذا الرصد أن يذكر أن جميع الحضور قد اردتروا (( الردنجوت )) باستثناء اللورد لويد و الادميرال البريطاني قائد الطراد !
انتظر الجميع قدوم فؤاد الأول الذي كان قد نزل بورسعيد و استقل المعدية داخل سيارته و لما وصل إلى الشاطئ الآسيوي أطلقت المدافع إحدى و عشرين طلقة ثم طاف الموكب الملكي المدينة ليرى جلالته المنشآت والتخطيط و المتنزهات حتى وصل إلى السرادق و لما دخل وقف الحاضرون و صفقوا وهتفوا بحياته بالفرنسوية ثم بالعربية !
و افتتحت الجلسة بإلقاء خطبتين أولاهما من وكيل مجلس إدارة شركة القناة و الثانية من رئيس الوزراء عدلي يكن باشا التي بدأها بالعربية بالتذكير بفضل الأسرة المالكة الذي يتجلى على طول القناة لا سيما سعيد و إسماعيل ثم أشار إلى تفضل فؤاد بمنح اسمه للمدينة الجديدة فضلا عن رضائه السامي بزيارته لها ، ثم تحول بعد ذلك لاستكمال كلمته بالفرنسية بحكم أن أغلب الحضور كانوا من رجال الشركة .
و كان موضوعا قبالة العرش الحجر الأساسي فوق حجرين آخرين و قد ثُغر من أحد نواحيه ثغرة مستطيلة متوازية الأضلاع لتوضع فيها الوثيقة المكتوبة باللغة العربية بالخط البديع الذي تُكتب به البراءات عادة و بجانبها علبة حريرية فيها أربع قطع ذهبية من فئات خمسة جنيهات و جنيه و نصف جنيه و ريال و ماسورة نحاسية قوية داخلها انبوبة زجاجية بسدادة خاصة و الماسورة بسدادة نحاسية لولبية .
المكتوب على الوثيقة (( تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد بوضع هذا الحجر الأساسي في بناء دار المجلس البلدي بمدينة بورفؤاد يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر جماد الآخر سنة 1345 هجرية ، الموافق 21 ديسمبر سنة 1926 ميلادية في السنة العاشرة من تولى جلالته عرش مُلكه . و كان صاحب الدولة عدلي يكن باشا رئيسا للوزارة المصرية و جناب المسيو جونار رئيسا لشركة قناة السويس البحرية ))
و شاهد الحضور على المائدة الموضوعة أمام جلالته كمية من الاسمنت فوقها مسطرين من فضة مقبضه من خشب الأبنوس عليه تاج ملكي من ذهب و مطرقة على نفس النحو و قد نقش على كل منهم بالفرنسية (( استخدم هذه المطرقة و هذا المسطرين صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول في وضع الحجر الأول من دار مجلس بلدي مدينة بورفؤاد ))
و كان آخر مراسم الحفل أن وضع الملك الوثيقة الرسمية في الثغرة الموجودة في الحجر الأساسي لتدفن مع قطع العملة الذهبية في باطن الأرض و كان مندوب جريدة الأهرام خفيف الظل عندما ذكر أنها مطمورة في باطن الأرض إلى أن يقيض الله لها كارتر أو كارنافون ( أصحاب الفضل في كشف مقبرة توت عنخ آمون ) آخر في القرن الستين أو السبعين بعد الميلاد لينقب عن آثار بورفؤاد .
و لم تُعْنَ الصحف المصرية وحدها بقيام آخر المدن الملوكية في أرض الكنانة بل أن تلك العناية قد انتقلت إلى صحف أخرى عديدة في الخارج ، حتى أن جريدة التايمز اللندنية وضعت تقريرا طويلا عن الاحتفال امتدحت فيه المدينة الجديدة لما يتوفر لها من العوامل الجذابة و الابتعاد عن الضوضاء و الاقذار التي تُرى في مراكز التموين بالفحم كما أعربت الجريدة الانجليزية عن أملها في أن تمضي مصلحة سكك حديد مصر قدما في مشروعها بجعل بورفؤاد رأس السكة الحديدية الفلسطينية بدلا من القنطرة
خاصة و أنه يمكن وصل الخطين الحديديين المصري و الفلسطيني بنظام من المعديات و الزوازق لنقل المسافرين و البضائع بين البلدين و هو الأمل الذي لم يتحقق ابدا ، فقد بقيت بورفؤاد مجرد ضاحية جميلة للمدينة الأم بورسعيد حتى لو كانت قد حملت اسما ملوكيا أسعد صاحبه كثيرا !
المصدر .. فؤاد الأول المعلوم و المجهول . دكتور يونان لبيب رزق .
#الجورنالجي الجورنالجي لتوثيق تاريخ بورسعيد
التعليقات على الموضوع